تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا

تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين، وهذه هي الآية ¹⁰⁶ من سورة المؤمنون، وسيكون محور هذا المقال هو هذه الآية، وتفسيرها حسب آراء بعض المفسرين.

لمحة بسيطة عن سورة المؤمنون

سورة المؤمنون واحدة من  سور القرآنِ الكريمِ المكية، أي التي أنزلت على نبي الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة.

وذلك قبل حادثة الهجرة التاريخية المباركة إلى يثرب أو المدينة المنورة.

وأما السبب في تسمية هذه السورة باسمها هذا فهو بدايتها التي تناولت التكلم عن حالات المؤمنين ووصفهم.

وأنهم هم من يستحق النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، فقال الله عز وجل في أول السورة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}.

نزلت سورة المؤمنون بعد نزول سورة الحج وقبل نزول سورة النور، وتقع في الجزء ¹⁸.

ويقع رقمها من ناحية ترتيب السور في المصحف الشريف ²³  ويبلغ عدد الآيات فيها ¹¹⁸ آية.

وتتحدث السورة بصورة عامة عن الأصول الدينية فيما يخص الرسالة والتوحيد والبعث وغيرها.

شاهد أيضًا: فوائد سورة الغاشية الروحانية

تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا

آية تتحدث عن الكافرين، والعذاب الذي سوف يلحق بهم يوم القيامة.

وهم يحاولون أن يبرروا لله عز وجل سبب كفرهم وإلحادهم، وسبب استمرارهم بالخطأ.

فهم يقولون ربنا قد غلبت علينا ملذاتنا وشهواتنا التي قدرتها لنا في سابق علمك،

وكنا في عملنا هذا بعيدين عن الهدى والإسلام.

طريقة قراءة الآية

اختلف قرّاء القرآن في قراءة هذه الآية، فقرأه معظم القرّاء في المدينة المنورة والبصرة.

وكذلك بعضٌ من أهل الكوفة: (غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) بشين مكسورة، وبدون ألف.

بينما قرأها معظم القرّاء عند الكوفة:” شَقاوَتُنا” بشين وألف مفتوحتين.

والأصوب أن نقول فيهما أن كل واحدة منهما قراءة مشهورة.

وقد قرأ بكل منها مجموعة  من القرّاء المشهورين، وهما بنفس المعنى.

فبأي منهما قد قرأ قارئ القرآن فهو مصيب.

تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا عند مجاهد

عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن مجاهد، قوله عز وجل: (غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا) قال: التي تم كتابتها علينا عند الله تعالى في كتابه.

تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا عند ابن جريج

قال ابن جريج: بلِّغْنا أن من يدخل النار ينادون الخَزَنة المعنيين بها: أنْ اطلبوا من رَبَّكمْ أن يعفينا يومًا من  الْعَذَابِ.

لكنهم لم يستجيبوا لهم حتى يشاء الله أن يجيبوهم بعد فترة فقالوا لهم: (فادْعوا وَمَا دعَاء الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) قال: ثم قالوا لمالك: (يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبكَ).

فلم يجبهم مالك- خازن جهنم- لمدة قدرها أربعين عام، وبعدها أجابهم قائلًا: (إِنَّكمْ مَاكِثونَ).

بعد ذلك نادى الكفار ربهم، فقالوا: (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ).

فتركهم فترة تعادل قدر الدنيا، ثم قال لهم تبارك وتعالى بعد هذه الفترة الطويلة: (اخْسَئوا فِيهَا وَلا تكَلِّمونِ).

تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا عند أبي بكر بن عبد الله

عن أبي بكر بن عبد الله، قال: أهل النار ينادون أهلَ الجنة فلا يردون عليهم فترة لا يعلمها إلا الله، ثم يشار إليهم أن أجيبوهم.

وقد منعت الرَّحمة والرحم، فيرد سكان الجنة: يا أصحاب النار، حل عليكم غضبٌ من الله.

يا أصحاب النار، حلت عليكم لعنةٌ من الله، يا أصحاب النار، لا سعديكم ولا لبيكم.

ماذا تقولون؟ فيردون: ألم نكن لكم في الحياة الدنيا آباء وأبناء وإخوان وعشيرة.

فيردون: نعم، فيقولون لهم: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ).
ثم إن أصحاب النار يستنجدون بخزنة جهنم، أن يدعوا الله يخفف يومًا عنهم من عذاب النار.

فيجيبونهم بما قال لهم الله، ولكنهم عندما يصيبهم اليأس منهم ينادون مالك، وهو معهم.

وله في وسط جهنم مجلس له، وفيها جسور تعبر عبرها ملائكة العذاب.

فهو يشاهد أقصاها كما يشاهد أدناها، فيقولون: (يا مالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ)، أي نسألك الموت.

فبقي لا يرد عليهم ⁸⁰ عام من أعوام الآخرة، ثم ينزل إليهم، فيقول لهم: (إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ).

وعندما يسمعون هذا القول يقولون: (فاصبروا)، فقد يفيدنا الصبر.

مثل ما صبر أهل الجنة على الطاعة لله وعبادته، فيقول: فاصبروا.

فيتأخر صبرهم ويطول، فيقولون: (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) أي نجاة.

اقرأ أيضًا: فضل سورة القصص

خطبة إبليس بأهل النار كنا أورد عبد الله بن أبي بكر

وأتم عبد الله بن أبي بكر تأويله، أنه عند يأس أهل النار يقف إبليس  فيخطب بهم، وقال: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتكمْ فَأَخْلَفْتكمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكمْ مِنْ سلْطَانٍ).

وعندما يسمعون قوله، يكرهون أنفسهم، قال: فقيل لهم:( لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ* قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا ..)الآية، قال: فيرد الله عليهم:(ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) قال: فيردون: لم نيأس بعد.

قال: ثم يقولون مرّة أخرى: (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) قال: فيقول الله عز وجل: (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) فيقول الله: لو أردتُ لهديتُ الناسَ جميعًا (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) ثم يقول عز وجل بعدها: تركتكم تلهون.

وأنتم تعملون لهذا اليوم السيء فتقبلوا نتيجة تخطيطكم الخاطئ، وذلك بقوله: (إِنَّا نَسِينَاكمْ أي تركناكم وَذوقوا عَذَابَ الْخلْدِ بِمَا كنْتمْ تَعْمَلونَ) قال: فيقولون: لم نيأس بعد.

قال: فينادون ويدعون الله مرّة أخرى: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ)، قال: فقيل لهم: (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ …) تتمة الآية.

قال: فيقولون: ما لم نيأس بعد، ثم قالوا لله مرّة أخرى: (رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كنَّا نَعْمَل) قال: فيقول لهم: (أَوَلَمْ نعَمِّرْكمْ مَا يَتَذَكّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكم النَّذِير إلى: نَصِيرٍ).

ثم يتركهم فترة لا يعلمها إلا الله، ثم يناديهم: (أَلَمْ تَكنْ آيَاتِي تتْلَى عَلَيْكمْ فَكنْتمْ بِهَا تكَذِّبونَ) فلما سمعوا ذلك قالوا: الآن ستحل علينا رحمته، فيقولون عند ذلك: (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتنَا) أي: كتاب الله الذي قد تم كتابته علينا.

(وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا..) تتمة الآية، فيقول عندها: (اخْسَئوا فِيهَا وَلا تكَلِّمونِ)، قال: فلا يتحدثون فيها نهائيًا، فينقطع عندها الرجاء والدعاء.

عندها يقبل بعضهم يصرخ في وجه الآخر، فتطبق عليهم النار.

تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا عند عبد الله بن المبارك

فسر عبد الله بن المبارك الآية بأنها ملذاتنا التي كتبها الله علينا، وقال: حدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه قال: فهذا قول الله: (هَذَا يَوْم لا يَنْطِقونَ * وَلا يؤْذَن لَهُمْ فَيَعْتَذِرونَ).
أنه سمع أحد العلماء يقول: “فبحق الذي نزّل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

و نزل التوراة على سيدنا موسى عليه السلام، ونزل الإنجيل على عيسى عليه السلام.

لم يتكلم أهل النار بعدها بكلمة قط، إلا الزفير والشهيق وهم باقون في الخلد أبدًا، ليس له انتهاء”.
ومعنى قول الله عز وجل: (وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ) يقول: كنا قومًا أضعنا طريق الحق، وطريق الهداية.

شاهد من هنا: فضل قراءة سورة الفاتحة 1000 مرة

وبنهاية المقال أكون قد وضحت تفسير: قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا عند بعض العلماء، وكيف وضحوها وأولوها.

مقالات ذات صلة