الفلسفة والدين والحرية عند كانط

الفلسفة والدين والحرية عند كانط، الفلسفة والدين والحرية عند كانط، لطالما كانت تلك الثلاثية محل جدل واختلاف واسع بين كثير من فلاسفة العصر القديم والحديث، حيث عمد كل منهم إلى تفسير العلاقة بين تلك المحاور الثلاثة بناء على آرائه وأفكاره التي كان يؤمن بها.

إيمانويل كانط

  • قاد عصر التنوير في أوربا العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين ثاروا على بعض الأفكار والمعتقدات القديمة المغلوطة، ودعوا إلى بعض الأفكار الجديدة التي تهدف إلى الخروج بعقل الإنسان إلى أفاق أكثر اتساعًا.
  • وكان من أشهر فلاسفة تلك الحقبة إيمانويل كانط، الفيلسوف الألماني المعروف صاحب التأثير الأكبر في عصر التنوير، ليس هذا فحسب بل يعتبر من أكثر الفلاسفة تأثيرًا في الثقافة والحضارة الأوربية.
  • ولد كانط في عام 1724 في مدينة كونيغسبرغ التي كانت تمثل العاصمة لمملكة بروسيا سابقًا وعاش في تلك المدينة طوال حياته ولم يُعرف عنه بأنه سافر بعيدًا عنها قط.
  • كان والده جوهان جورج يعمل في صناعة سروج الخيل، أما والدته فكانت تُدعى ريجينا رويتر، وكان كانط الطفل الرابع من بين أحد عشر طفل لأبويه، إلا أن العدد الأكبر منهم فارق الحياة في سن صغير ماعدا 4 منهم.

شاهد أيضًا: الفلسفة الوجودية عند سارتر

نشأة ودراسة إيمانويل كانط

  • كان كانط شابًا ذو بنية ضعيفة لكنه كان ذكيًا وقويًا من الناحية الدراسية، رغم أنه قد تلقى تعليمًا صارمًا وصف بأنه كان قاسيًا إلا أنه تفوق فيه، وكان معروفًا بحبه للغة اللاتينية التي كان يُفضل تعلمها عن العلوم والرياضيات.
  • أما عن منزله فكانت أسرته معروفة بالتدين الشديد، وعُرف عنهم تربيتهم لأبنائهم تربية دينية منضبطة مبنية على تعاليم الكتاب المقدس، وحثهم لأبنائهم على الإخلاص في خدمة الدين وعلى التزام التواضع مع الناس.
  • تلقى كانط تعليمه في المدرسة الفردية التي كانت تُعد من أقوى المدارس وأكثرها كفاءة في البلاد بأسرها في ذلك الوقت، والفضل في ذهابه إلى تلك المدرسة يعود إلى القس فرانز شولتز.
  • وكان ذلك القس صديقًا مقربًا من العائلة، الأمر الذي مكنه من ملاحظة كانط والانتباه إلى نضوجه وذكائه المبكرين، مما دفعه إلى إقناع أهله بإرساله إلى تلك المدرسة تحديدًا والتي كان يعمل بها.
  • تخرج كانط من تلك المدرسة في المرتبة الثانية على صفه أجمع، بعد أن تلقى تعليمًا صارمًا منضبطًا استمر لمدة ثمان سنوات، كان يبدأ يومه الدراسي في السابعة صباحًا حتى ينتهي اليوم في الرابعة مساءً.
  • وكان هذا لمدة ست أيام بالأسبوع، وكان دارسًا جيدًا لجميع اللغات التي كانت موجودة آنذاك سواء كانت لاتينية، أو عبرية، أو فرنسية، إلى جانب دراسته للرياضيات وعلم اللاهوت.

الحياة الجامعية لكانط

  • تغيرت اهتمامات كانط العلمية عقب دخوله الجامعة، وذلك عقب حصاده لمجهود كبير بتخرجه في المرتبة الثانية والتحاقه بجامعة كونيغسبرغ، حيث بدأ اهتمامه يتجه بشدة نحو الفلسفة والعلوم.
  • وكان شديد التأثر بأستاذه مارتن كنوتزن الذي كان يتبع المدرسة العقلية في ذلك الوقت.
  • وعلى الرغم من استمرار كانط في الجامعة لمدة سبع سنوات إلا أنه لم يستطع التخرج منها، وذلك يعود إلى الضائقة المالية التي عصفت به عقب وفاة والدته والتي تبعها بفترة وفاة والده.
  • ومن هنا كان يجب عليه أن يقوم بتدبير أموره المالية بمفرده، ولذلك اضطر إلى ترك الدراسة بالجامعة واتجه إلى العمل، وأصبح أستاذًا خاصًا لمجموعة من الأطفال المنتمين إلى بعض العائلات المعروفة بالثراء في المدينة.
  • ولكن الجامعة لم تذهب عن عقله تمامًا، حيث أنه خصص وقت فراغه أثناء تلك السنوات في التعلم الذاتي، كما بدأ أيضًا في كتابة أطروحته التي كان ينوي أن يقوم بتقديمها إلى الجامعة في وقت لاحق.
  • عاد كانط مرة أخرى إلى حياة الجامعة ولكن هذه المرة بوظيفة أستاذ مساعد التي حصل عليها بعد تقديم أطروحته، ولكنها كانت وظيفة متدنية في تلك الفترة لا تدخل الكثير من المال على الرغم من طول فترة العمل.
  • حيث كان يقوم بالتدريس لعدد من الساعات يصل إلى28 ساعة في الأسبوع، وبسبب الضائقة المالية التي كان يعاني منها اضطر إلى العمل بشكل إضافي في أماكن أخرى والعيش في بيت لا يحتوي إلا على سرير وطاولة وصورة.
  • والتي كانت تعود إلى أحد الفلاسفة الفرنسيين يُعرف باسم جان جاك روسو كما أنه اتجه إلى الخمر والسُكر بشكل كبير في تلك الفترة.

التأثيرات الفكرية على شخصية كانط

  • كانت هناك ثلاث محاور رئيسية أثرت بشكل مباشر على التكوين الفكري لكانط، وكان أولها بالطبع الدين، فكما ذكرنا قبلًا أنه تلقى تربية دينية صارمة.
  • وكانت نشأته الدينية تابعة لفرقة دينية تُدعى التقوية المسيحية، والتي يعود اسمها إلى كلمتي التقوى والورع، وكانت تلك الجماعة تدعو إلى التقوى والزهد وغيرها من القيم ولا تكترث كثيرًا بالطقوس والشعائر الدينية.
  • جاءت السياسة في المرتبة الثانية التي تأثرت بها شخصية كانط، حيث أنه كان يعيش في حقبة عصر التنوير، الذي تأثر به تأثرًا شديدًا، وكان من المنادين بالمساواة وحقوق الإنسان.
  • وأخيرًا من الناحية العلمية كان كانط متأثرًا بالعالم نيوتن، إلى الحد الذي جعله يقرأ كافة أعماله وكتاباته، ليس هذا فحسب بل جعلها أساسًا لمحاضراته التي كانت تتناول الفيزياء والفلسفة.

1- الفلسفة والدين والحرية عند كانط

الفلسفة

  • كانت ثلاثية الفلسفة والدين والحرية تُشغل حيزًا كبيرًا في تفكير وأيضًا مؤلفات كانط، حيث وضع العديد من النظريات والروابط بين تلك المحاور الثلاث.
  • كان كانط مولعًا بالفلسفة كما ذكرنا سابقًا وكان يخصها باهتمام بالغ، وكان له أثر كبير في تغير النمط الفلسفي لدى الغرب، كما أنه شكل إطارًا جديدًا ينظم عملية البحث والاستقصاء الفلسفي.
  • ليس هذا فحسب، بل أحدث الكثير من التطورات التي جعلت الفلسفة في عهده مغايرة تمامًا عن سابقتها، والتي مازال يُعمل بها في الفلسفة والعلوم الإنسانية بوجه عام حتى اليوم.
  • وتُعد ثورة كانط الكوبرنيكية أحد أهم الإسهامات التي غيرت وضع الإنسان في البحث الفلسفي، وأوضح أنه من المستحيل أن يتم تفسير كل شيء فلسفيًا بشكل مستقل بعيد عن الإنسان.
  • كما أنه وضع أسس الفلسفة النقدية، إلى جانب فكرة الضرورة الحتمية، والتي توضح أن الإنسان يملك قدرة طبيعية تجعله قادر على التوصل إلى المنطق الصحيح والسليم والتصرف وفقًا له.
  • وغيرها من الأفكار والنظريات التي اتخذها بعد المدارس الفلسفية فيما بعد منهجًا لها مثل المدرسة المثالية الألمانية، والمدرسة الوضعية والماركسية وغيرها.

الدين

  • أما في جانب الديني فكان كانط يقول دائمًا أن الدين الذي يُعلن الحرب على العقل لن يصمد أمامه طويلًا، وهذا يوضح جانبًا مهمًا في أفكاره، والتي كانت تعتبر الأخلاق كافية في حد ذاتها ولا تحتاج لدين يقومها.
  • ولكن مع ذلك يربط كانط فكرة الوجود الإلهي بوجود الفضيلة والأخلاق، وفي حديثه عن إيمانويل كانط ذكر عباس العقاد بأن الأخير كان مؤمنًا بالله، لكنه كان يرجع ذلك الإيمان إلى الضمير.
  • ولا يُرجعه إلى العقل، المعني بشكل أساسي بدراسة الظواهر الطبيعية ولا يستطيع معرفة حقيقة الأشياء من داخلها، وذلك حسب تعريف كانط لدور العقل.

شاهد أيضًا: الفلسفة البراجماتية وانعكاساتها على التربية

الحرية

  • تمثل الحرية عند كانط تصرف الإنسان وفق مجموعة من القواعد التي يضعها لنفسه دون تحكم أي جماعة به، ويرجع ذلك إلى أن الإنسان مخلوق حر لا يتبع غرائزه مثل باقي المخلوقات.
  • كما ينظر إيمانويل كانط إلى حرية الاختبار على أنها أعظم ما يمتلك البشر، كما أنه دائمًا ما يربط فكرة الحرية بمفهوم الأخلاق.

2- الأخلاق عند كانط

  • كانت الأخلاق تحتل جزءً كبيرًا في تفكير وآراء كانط، كما أنه ألف العديد من المؤلفات التي تدور حول ذلك المفهوم والفلسفة الخاصة به أيضًا.
  • ومثال لذلك ما استهل به كتابه المعروف باسم أسس ميتافيزيقا الأخلاق ما يوضح بأن كل ما هو فعل أخلاقي مبني بشكل أساسي على الإرادة الخيرة.
  • وتابع كانط في شرحه أن بعض المواهب مثل الذكاء وبعض الصفات مثل الشجاعة وبعض الحظ المتمثل في السلطة أو المال لا يمكن أن وصفها بشكل مستقل على أنها أمور خيرة، بل يعتمد وصفها على الإرادة التي تقف وراء استخدامها.
  • فإن كانت إرادة خيرة، فإن تلك الصفات والمهارة والممتلكات تتحول إلى أدوات خير وقصد طيب والعكس صحيح.

3- الحرية والخير والشر عند كانط

  • لطالما أكد إيمانويل كانط على أن الشر جزء من طبيعة البشر، ولكنه مرتبط بشكل أساسي بالحرية، أي أن حرية الإنسان في ممارسته الخير أو الشر هي المسيطرة بالأساس على الأفعال.
  • وفي إطار أحد مؤلفاته الشهيرة الذي يطلق عليه الدين في حدود مجرد العقل يقول كانط ما يبين أن زرع بذرة الخير في نفس الإنسان منذ الصغر لا تكفي لجعله خيرًا، بل يجب عليه أن يحارب ويردع الشر الموجود بداخله.

4- الحرية والأخلاق والدين عند كانط

  • في ظل بحث كانط حول الوجود الإلهي والأخلاق ومبادئ الحرية والرابط المشترك فيما بينهم توصل إلى أن الحرية تؤدي بشكل ما إلى حتمية وجود إله.
  • وذلك من خلال توصل كانط إلى أن الأخلاق والخير يجب أن تقف خلفهما الحرية كما ذكرنا سابقًا، وأنها تتشكل حسب الإرادة الأخلاقية لدى الإنسان وتأخذ شكلها أيضًا.
  • وعند تأمله في الأخلاق وجد أنه لا فائدة من تطبيقها إن لم يكن هناك جزاء على ذلك يفرق بين أتباعها أو إهمالها، وتابع أنه إذا كانت السعادة هي نتيجة اتباع تلك الأخلاق، فلابد من وجود عالم آخر يضمن السعادة بشكل دائم.
  • حيث أن الدنيا لا تتمتع بتلك الديمومة على الإطلاق، وبهذا توصل كانط إلى أن الضامن الوحيد لوجود سعادة في عالم آخر هو الله.

أهم مؤلفات كانط

  • عقب شهرة إيمانويل كانط التي تخطت حدود بلدته التي لم يتخطى هو حدودها كما عُرف عنه، رسالته جامعات مختلفة لكي يقوم بالتدريس بها بمرتب يبلغ أكثر من 3 أضعاف الراتب الذي كان يتقاضاه في بلدته.
  • لكن طبيعته التي ترفض التغيير حتى لو كان في أثاث المنزل فحسب جعلته يرفض تلك العروض، واتجه كانط بعد ذلك إلى الكتابة، حيث قام بتأليف العديد من الكتب التي تتبنى وتوضح العديد من نظرياته وآرائه المختلفة.
  • ولكن العديد من المؤلفات نذكر منها كتاب مشروع للسلام الدائم، وأسس غيبيات الأخلاق، ونقد العقل العملي، وأيضًا كتاب نقد ملكة الحكم، والدين في حدود مجرد العقل.

شاهد أيضًا: تاريخ الفلسفة الإسلامية

الفلسفة والدين والحرية عند كانط، يعتبر إيمانويل كانط أحد أشهر الفلاسفة الذين عرفهم التاريخ، كما أنه ترك آثارًا كبيرة في الحضارة الأوربية، والتي ما زالت واضحة حتى الآن في الحياة الأوربية المعاصرة.

مقالات ذات صلة