ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون

الظلم من الأعمال التي تختم بالسوء على خاتمة صاحبها، فقد حرم الله الظلم على نفسه، ونهى عباده عن ظلم بعضهم البعض، وجعل عقاب الظالم في الدنيا قبل الآخرة، وتوعده في الآخرة بعظيم العذاب.

وجاء ذكر الظلم والظالمين في عدة مواضع من القرآن الكريم وسنتناول في مقالنا هذا آية (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون).

تفسير آية ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون

  • يقول الله تعالى:(ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).

توجد العديد من التفسيرات التي سنعرضها لتلك الآية كالآتي:

شاهد أيضا: آيات قرآنية تتوعد الظالمين

تفسير الجلالين

  • فيقول الله تعالى:(ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون)، المقصود هنا بالظالمين هم أهل مكة من الكفرة.
  • (إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) أي يمهلهم إلى يوم الأهوال الذي تنفتح فيه أعينهم دون أن تُغلق لهول ما سوف يرون.
  • فلا يغمض لهم جفن، من شدة الخوف والفزع.

ثانياً تفسير السعدي

  • (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
  • وفي هذا تهديد ووعيد شديد اللهجة للظالمين، وفيه تخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخفيف عن المظلومين.
  • فيقول الله تعالى: (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون).
  • بمعنى أن الله يعطيهم من الوقت والإمهال، ويعطيهم من الرزق وانفتاح الأبواب، ويعطيهم من التسهيل ما لم يتوقعوه.
  • بل ويجعلهم يتقلبون في دنياهم آمنين ويفتح لهم كل المغاليق. ويعطيهم من الأموال، الكثير والكثير.
  • وهذا دليل على أن حالهم بخير، بل بالعكس هم على شر، وهم لا يعلمون.
  • ولكن الله سبحانه وتعالى يمهل الظالم ويمهله ويمهله؛ ليزيد في غيه.
  • حتى إن جاء أمر الله أخذه بغتة، وهو لا يدري في غفلة من أمره، ليلاقي العذاب الشديد.
  • فعقاب الله شديد، ووعيده للظالمين شديد، والظلم هنا لا يقع فقط من العبد على العبد، ولكن يقع كذلك من العبد على نفسه.
  • فالعبد بارتكابه المعاصي، والذنوب وظلمه للآخرين، فإنه يظلم نفسه التي ستحاسب يوم القيامة.
  • بالإضافة إلى وزر عباد الله الآخرين الذين ظلمهم.
  • ومعنى يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، أي لا تغلق عينهم من شدة ما سوف يرون من أهوال.

ثالثاً تفسير البغوي

  • يقول المولى عز وجل ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون.
  • وهنا كلمة غافلاً تعني أن الله يرى، ويسمع، ويعلم كل شيء، وليس غافلاً عما يفعله عباده من ظلم.
  • وإنما الإنسان هو الغافل عما يفعله من شر وإثم، وعن حقيقة ما يفعل، والآية هنا هي للتخفيف عن المظلوم والوعيد للظالم.
  • وتشخص فيه الأبصار بمعنى أي تغلق أعينهم من الخوف، يوم القيامة من هول ما سوف يرون، جراء ظلمهم للعباد.

للتعرف على المزيد: آيات قرانية تريح القلب

رابعاً تفسير الوسيط

جاء عن الإمام القرطبي قول الله تعالى:

  • (ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون)، وفي هذا تخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  • من إيذاء المشركين والكفار من أهل مكة، ونكرانهم لدين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
  • وفي هذا تسلية(سلوى) لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول له الله أصبر كما كان سيدنا إبراهيم يصبر.
  • وأبلغ الكافرين أن تأخير عذاب الله لهم ليس لأنه غافلاً عن أعمالهم، أو بسبب إنهم على خير.
  • ولكن هذه سنة الله في الأرض، فسنة الله في الأرض هي الإمهال، والانتظار على العصاة؛ حتى يتوبوا إلى الله.
  • فإن لم يتوبوا وران على قلوبهم، فوعيد بالعذاب الشديد من الله سبحانه وتعالى للظالم في الدنيا وفي الآخرة.
  • وفي الآية تخفيف عن المظلوم، وفي كلمة (ولا تحسبن) هنا موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم.
  • وكذلك موجهة لهؤلاء الذين ذاقوا الظلم في الدنيا من عباد الله.
  • وأيضاً للنبي صلى الله عليه وسلم ليزداد سيدنا محمد ثباتاً على الحق ويزداد العباد المظلومين صبراً، ويكون تسلية على قلوبهم.
  • ومعنى غافلاً بمعناها البشري هو الغفلة.
  • والغفلة هي ما يأتي للإنسان، ويصاب به الإنسان بسبب عدم انتباهه وتفريطه في حق الله.
  • بسبب عدم تيقظه، أما الله وحاش لله أن يكون الله غافلاً.
  • فهي هنا المراد بها أن الله يمهل الظالمين في العقاب ليأخذهم بغتة.
  • أما الظالمين فالمقصود بهم كل من تركوا طريق الحق، واتبعوا طريق الضلال.
  • وعندما جاءت هنا في الآية، فكان المقصود بها ذوات المال والثروة من أهل مكة.
  • المشركون الذين أخذتهم العزة بالإثم عندما دعاهم رسول الله لدخول الإسلام.
  • وقول الله تعالى يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، فهو استمرار واستئناف لتبيان السبب عن النهي السابق ذكره.
  • وقوله (تشخص) فلفظ تشخص هنا يأتي من معنى شخوص البصر أي ارتفاع البصر، وثباته وتحجره دون أن يتحرك قيد أنملة.
  • فعندما يقال فلان شاخصاً بصره أي عينه ثابتة من شدة ما يرى من هول كالرعب الشديد والخوف، والألم، أو الفزع.

تعريف الظلم وأنواعه

  • الظلم من أبشع الأعمال التي يقوم بها الشخص في حياته، فقد حرم الله الظلم على نفسه وحرمه بين عباده المؤمنين.
  • فيقول الله تعالى في حديثه القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
  • فالظلم هو تعدي الحدود التي أقرها الله لنا في شريعته، وهو أيضاً خلط الحابل بالنابل، وإتباع الباطل.
  • لذلك فكل ذنب يقوم به ابن آدم في معصيه الله هو ظلم، وهذا هو من أنواع الظلم للنفس.
  • أما الاعتداء على حقوق الآخرين فهو ظلم للغير، وقال سيدنا محمد إن هناك ثلاثة أنواع من الظلم.
  • وأن الله سبحانه وتعالى يعاقب العبد عليهما في الدنيا وفي الآخرة، فيقول صلى الله عليه وسلم:
    • (الظلم ثلاثة فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك.
  • قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) وأما الظلم الذي لا يغفره الله فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم.
  • وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين لبعضهم من بعض).
  • فكانت سنه الله هي الإمهال في الدنيا للظالم فلا يعجل الله بعقوبته في الدنيا وذلك لحكمة منه.
  • وهي إثقال ميزان الظالم بذنوبه، واستدراجه حتى يأخذه الله بغتة على أسوء حال وأسوء خاتمة والعياذ بالله.
  • فيقول الله سبحانه وتعالى: (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين).

عقاب الله للظالم في حياته

  • وفي بعض الأحوال يقدم الله للعبد الفرصة تلو الأخرى ليرجع إلى الله ويتوب إلى طريق الحق.
  • فإن الله العظيم من صفاته إنه صبور، حليم، غفور.
  • كذلك فقد يكون ظلم الظالم للمظلوم عقوبة من الله.
  • فقد يكون المظلوم فعل ما يدينه في حياته من ظلم لأحد عباد الله.
  • فنال الظلم منه بظلمه الذي فعله فكانت عقوبة الله في الدنيا لتطهيره قبل أن يلاقي الله على هذا الإثم.
  • فإن صبر، ورجع إلى الله وتذكر وحاول إصلاح ما قام به فإن الله يتوب عليه.
  • فإن لم يفعل، وقنط، وازداد إثما وظلم وبغى، فإن الله لا يغفر له.
  • والجدير بالذكر أن للظلم آثار وخيمة على المجتمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    • (ليس شيءٌ أُطِيعَ اللهُ تعالى فيه أعجلَ ثوابًا من صلَةِ الرحِمِ، وليس شيءٌ أعجلَ عقابًا من البغْيِ وقطيعةِ الرحم ِ واليمينِ الفاجرةِ تدعُ الديارَ بلاقِعَ).

صور العقوبة

  • فأحياناً قد تظهر عقوبة الشخص الظالم في حياته على شكل سوء الخاتمة والعياذ بالله فتكون خاتمته سيئة مؤلمة شديدة.
  • وذلك انتقاماً للشخص المظلوم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الشأن:
    • (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال: ثم قرأ “وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
  • كذلك فإن من صور العقوبة التي ينزلها الله بالظالم في الدنيا هي زوال البركة من كل شيء في حياته.
  • من صحته، ومن عمره، ومن أولاده، ومن رزقه، وكذلك حرمانه من نعم الله سبحانه وتعالى فيقول الله في هذا الشأن.
  • ففي سورة القلم يقول الله عن الأشخاص الذين حرموا الفقراء حقهم ({إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27).
  • وكذلك من ضمن مظاهر العقوبة التي أقرها الله للظالم في الدنيا هي القصاص.
  • فجعل القصاص من إحدى وسائل المظلوم لاسترداد حقه، فيقول الله تعالى:
    • (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).

اخترنا لك أيضا: آيات قرآنية عن الظلم والصبر

وفي ختام مقالنا الذي تناولنا فيه تفسير آية ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، كفانا الله وإياكم شر الظلم ودعاء المظلوم، نرجو أن نكون قد قدمنا لكم محتوى مفيد وهادف، ونتمنى منكم نشر المقال على وسائل التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.

مقالات ذات صلة